أيَّامُ العجوز

   أيّامُ العجوزِ سبعةٌ؛ موقعها، تَبَعًا للحساب الشرقيّ أو حساب الرّوم، في أواخر فصل الشتاءِ، وهي مخضرمة، أي أنّها تحيا بين شهرَي شباط وآذار، يتقاسمانها، للأوَّل منها الحصّة الكبرى وهي أربعة أيام، وللثاني الحصّة الصُّغرى وهي ثلاثة أيامٍ تنتهي في السادس عشر من آذار؛ والعربُ القُدامى أطلقوا على كلّ منها اسمًا خاصًا.

   وهذه الثلاثة تابعةٌ لآذارَ وقد جمعها شاعرٌ قديمٌ اسمه "ابنُ أحْمَرَ" في أبياتٍ أربعةٍ إليْكَهَا:

كُسِــعَ1 الشتــاءُ بســبعـةٍ غُبْرِ2        أيامُ شَهْلَتِنَا3 من الشّــــــــــهر

فإذا انقضتْ أيّامُها ومَضـــتْ        صِـــــــنٌّ4 وصِّنَّبرٌ5 مــــع الوَبْرِ6

 وبــآمــرٍ وأَخـــيـــهِ مُئْتَمِــــــرٍ        ومُعلِّلٍ7 وبمُطْفِىءٍ الجَمْـــــــر

ذهب الشتاء مُوَلِّيًا خجــــــلًا        وأَتَتْكَ واحِدةٌ من النَّحْـــــــــرِ8

   فإذا ما انصرمَتْ هذه الأيامُ السبعةُ أطلَّ الربيع الباسِمُ، فتولَدُ الطبيعةُ من جديدٍ، ويُودَّعُ الشتاءُ العابسُ. وفي جبال لبنان يُسمُّونَها "المُسْتَقْرَضاتُ"، يعني ذلك أنَّ فصل الشتاء يقترضُ ثلاثةَ أيامٍ من قريبه الرَّبيعِ فتعاون فيما بينها فتُنزِلُ أكثر السنين، أمطارًا غزيرةً وتستعين بريح الشمال لتملأ الجوَّ زمهريرًا وتكسو الجبال رداءً أبيض ناصعًا من الثلج، فيخافُ من عواقبها العجائزُ اللَّواتي تصْطكُّ فيها أسنانهُنَّ ويلْجأن إلى جوار المدافىء ويتدثّرن بالمعاطف الصوفيّة لاتِّقاء شرِّها ولا يجرؤن على مواجهتها خارج المنازل إذ عُرف عنها أنّها عدوَّة لهنّ، تتربّصُ بهنَّ الدوائرَ9 لِتُجمِّدَ الدَّمَ في عروقهنَّ وأطرافِهنَّ وتسْلُبهُنَّ الرّوح وتُفْقِدهُنَّ الحياة، لهذا يحسَبْن لها ألف حسابٍ، حَذَرًا من أَذاها، ولكنَّهنَّ إذ ما جاء السابع عشر من آذار ونجَوْنَ منها افترَّت ثُغورُهُنَّ عن ابتساماتٍ عريضة وهلَّلْن بقدوم فصل الربيع السَّمْحِ، وخرجن إلى الدار يستحمِمْنَ بأشعة الشمس الرحوم.

   والفلّاح الجبليُّ، كالعجائزِ، يعرف خطر هذه الأيّام ويحسب حِسابها إذْ يُبقي ماشيته ودوابه في مراحاتها وزرائبها حتّى تنتهي صبَّارةُ10 بَرْدِها، ويسمَّي أيام مطرها "عيانة نقلَةِ الشمس"، وعند انتهائها يقول: "أنهى شهر آذار ثلجاته الكبارَ والصغار، وصار بالوسع إخراج البقرات للدار، لأنّه أمّن عليها من غائِلة11 القَرِّ12 الذي يزول بزوالها". والبحَّارون أيضًا على شواطئ لبنان وسوريا، وبالأخصّ في جزيرة أرواد، المطلّة على طرابلس، يُحجمون عن الخروج إلى عُرْض البحر حتى يودِّعوا أيّام العجوز هذه ويأمنوا شرّ أنْوائها13 المخيفة.

                                     يوسف س. نويهض


- كُسع: طُرِد1

- غُبْر: جمع أغبر وغبراء أي شديدة قاسية مظلمة الغيوم.2

- شهْلة: عجوز.3

- الصِنُّ: أوّل أيّام العجوز.4

- الصِّنَّبر: الريح الباردة وثاني أيّام العجوز.5

- الوبر: ثالث أيّام العجوز.6

- المعلّل: السّاقي وجاني الثمر وسادس أيّام العجوز لأنّه يعلّل النفس7

بقرب زوال البرد.

- النّحر: أوّل الشهر وأعلى الصدر.8

- تتربّص بهنّ الدوائر: تنتظر ساعة غفلتهنّ لتوقع بهنّ.9

- صبّارة: شدّة.10

- غائلة: شر.11

- القرّ: البرد.12

- أنواء: عواصف بحريّة وأمطار.13